من طرف الشهاب الأقوى الإثنين نوفمبر 12, 2007 6:19 pmناصر حسن
كانت ذرات متناثرة حتى أصبحت جبالاً، وكانت حروفاً حتى أصبحت كتباً قيّمة، وكانت قطرات حتى أصبحت بحاراً وأنهاراً. تلك سنة الأشياء، أن تبدأ صغيرة تافهة لتصبح عظيمة لا يحويها الفكر أو النظر.
كما في الطبيعة كذلك في عالم الأعمال، علينا أن لا نحقّر الملاحظات الصغيرة، أو تلك الأفكار الطائرة من أفواه الآخرين، لأن كل ذلك قد يصنع مشروعاً أو حضارة.
إن أيّ عمل قائم قد تطرأ عليه بعض الملاحظات من قبل القائمين عليه، أو من خارج دائرتهم. وقد تكون تلك الملاحظات مجموعة من الانتقادات، أو اقتراحات من أجل التطوير، أو ما أشبه. والمطلوب أن لا نتحسس من كل ذلك. فقد ورد عن الإمام الحسن بن علي أنه قال «هلك من ليس له حكيم يرشده».
إن علينا أن نعوّد آذاننا على فن الإصغاء دون تعليق، أو تبرير لأخطائنا. فإذا كانت الملاحظة، أو النقد من الصديق فإنه يريد لنا الخير والنجاح. أما إذا كانت من المنافس المشاكس فإنه يدلنا على مواقع الخلل والنقص في المشروع دون أن يشعر. إنه بحاجة إلى شكرنا الخاص بسبب ذلك.
لاشك أن الملاحظات تساهم بشكل فعال في عملية التطوير والإبداع للمشروع. ولو أنك بحثت عن أسباب التطوير لدى الشركات الكبرى لوجدت أن النقد الذاتي والملاحظات الصغيرة تحتل المرتبة الأولى.
في عام 1980م تلقت شركة «جونسون آند جونسون» التي كانت تعمل في مجال توريد الشاش المعقّم واللاصق الطبي، خطابا من أحد الأطباء، شكا فيه من حدوث التهاب في بشرة المرضى عند استخدام بعض أنواع اللاصق الطبي. فجاءه الرد من «كيلمر» مدير البحوث بالشركة سريعاً، وأرسل عبوة من بودرة «التلك» الإيطالي الملطفة، كي ترش على البشرة. وبعد ذلك أقنع الشركة بوضع علبة صغيرة من علبة «التلك» كجزء أساسي من العبوة. وفوجئت الشركة بأن الزبائن بدأوا يطلبون المزيد من «التلك» مباشرة. فاستجابت «جونسون آند جونسون» بصنع بودرة ملطف بشكل منفصل اسمه «بودرة أطفال وحمام جونسون» حتى أصبحت هذه البودرة من مستلزمات البيوت في كل العالم.
وكذلك في عام 1920م عندما صنع «إيرل ديكسون» أحد موظفي الشركة ضمّادة مجهزة للاستخدام، وهي مصنوعة من شريط جراحي به قطع صغيرة من الشاش وغطاء خاص يمنعها من الالتصاق بالبشرة، وقد صنعه أساساً لزوجته التي احترقت وجرحت يدها بسكين المطبخ. وعندما ذكر «ديكسون» اختراعه لمسئولي التسويق، قرروا أن يجربوا طرحه في الأسواق. وبعد بداية بطيئة، ترافقها عمليات تطوير وإصلاح، أصبحت هذه الضمادات أكبر فئة تحقق مبيعات في تاريخ الشركة.
وقد تأتي الملاحظات والانتقادات من أشخاص ننظر إليهم ببسطاء، ولكن عندما نوليهم اهتمامنا فإنهم أقدر على الإبداع حتى في ملاحظاتهم وأفكارهم، والتي قد يكون لها التأثير البالغ في التحول النوعي.
نشرت مجلة الإيكونوميست The Economist في أحد أعدادها مقالة تتحدث عن تجربة تؤكد الحاجة إلى التوقع واستباق الأحداث، كانت تلك التجربة تحمل عنوان: «النفايات داخلة، نفايات خارجة، التنبؤ الاقتصادي، دقة التنبؤات عند عمال النظافة» جاء فيها ما يلي: «في سنة 1984م أُرسل استبيان رأي إلى أربعة وزراء مالية سابقين، ورؤساء أربع شركات متعددة الجنسيات، وأربعة طلاب من جامعة أكسفورد، وأربعة عمال نظافة في لندن، وبعد عشر سنين قورنت نتائج تلك التنبؤات مع النتائج التي تحققت فعلاً. فتبين أن عمال النظافة البريطانيين تفوقوا على وزراء المالية السابقين، وعلى طلاب جامعة أكسفورد، لكنها كانت متعادلة مع التنبؤات التي قدمها رؤساء الشركات متعددة الجنسيات في عدد كبير من القضايا الاقتصادية الهامة»[1] .
«في عام 1990م لاحظ ليوناردو فيرناندو بوخالز الموظف في شركة جونسون في إسبانيا Johnson g Johnson بوظيفة مدير مبيعات، ازدياد عدد النسوة اللاتي يدخلنّ سوق العمل الإسبانية، وقال في نفسه : «عندما تعود هؤلاء النساء إلى بيوتهنّ آخر النهار ستشعرن بالتعب الشديد، ولن يتسنى لهنّ إعداد الطعام وطهيه، فتوقع انتهاء عهد الاستمتاع بقيلولة وسط النهار أو تناول العشاء في وقت متأخر من الليل، وانتهاء عهد الوجبات الإسبانية الدسمة، ورأى الحاجة المتزايدة لإيصال وجبات الطعام إلى المنازل، فأسس شركة تحمل اسم تيليبيتزا Telepizza، وأخذت هذه الشركة تنمو وتكبر حتى غدت بعد عشر سنين امبراطورية يترأسها هو وتمتلك نحواً من ألف مطعم، تبلغ قيمتها الإجمالية ملياري دولار»[2] .
أجرى نورمان ديكسون Normam Dixon، مؤلف كتاب «علم نفس الإخفاق العسكري» The psychogy of Military incompetence». دراسة حول أسباب إخفاق القيادات العسكرية عبر قرون من الزمان في مواجهة التغييرات السريعة ونتائجها الكبرى. فوجد أن «نمط السلوك السلطوي» هو القاسم المشترك بين جميع أصحاب القرار غير الأكفاء، يتميز هذا النمط من السلوك بمعاداة الفكر والمفكرين، إذ يعبر هذا النمط عن نزوع المرء إلى التصرف بالأسلوب المتعالي وكره شديد لكل معلومة تصل إليهم وتهدد كبرياءهم والانجذاب القسري للرتبة ورؤية الآخرين يذعنون لهم، كما يتميز هذا النمط بعدم الاستعداد لقبول الحلول الوسط وإعلاء لشأن القوة البهيمية وتغليبها على المهارات الإدراكية والنزعة للتصرف الطفولي، المتمثل بالتفجر غضباً وبشكل لا معقول مصحوباً بعدم الاهتمام بالصعوبات التي تفرضها قراراتهم على من حولهم».
ولكي نستفيد من ملاحظات الآخرين علينا أن نتبع التالي:
• أولاً: أن ننظر إلى الملاحظة كما هي من دون النظر إلى قائلها.
• ثانياً: أن لا نحقّر أية ملاحظة. فقد تكون حقيرة عندنا، لكنها عند صاحبها عظيمة. فأن تُفتح علبة الجبن من فوق المثلث، أو من قاعدة المثلث، فتلك مسألة هامة لدى المستهلك. وفي اللغة فإن غياب الفتحة أو الكسرة عن محلهما قد يؤدي في قراءة القرآن على الكفر دون أن نشعر.
• ثالثاً: أن ندوّن الملاحظات بشكل واضح، ونعقد جلسات خاصة لدراستها، أو الرد عليها.
• رابعاً: أن نقدم الشكر لمقدمي الملاحظات، ونشعره بأنه مشارك في عملية التطوير.
قد تكون الملاحظة صغيرة، أو عائمة، ولكنها حتماً قد تؤدي إلى عمل عظيم.
[1] مجلة الإيكونوميست تاريخ 3/6/1995م.
[2] السريع يلتهم البطيء، تأليف جيسون ولورنس هوتون، ص27، الطبعة الأولى 2001م، مكتبة العبيكان.
كانت ذرات متناثرة حتى أصبحت جبالاً، وكانت حروفاً حتى أصبحت كتباً قيّمة، وكانت قطرات حتى أصبحت بحاراً وأنهاراً. تلك سنة الأشياء، أن تبدأ صغيرة تافهة لتصبح عظيمة لا يحويها الفكر أو النظر.
كما في الطبيعة كذلك في عالم الأعمال، علينا أن لا نحقّر الملاحظات الصغيرة، أو تلك الأفكار الطائرة من أفواه الآخرين، لأن كل ذلك قد يصنع مشروعاً أو حضارة.
إن أيّ عمل قائم قد تطرأ عليه بعض الملاحظات من قبل القائمين عليه، أو من خارج دائرتهم. وقد تكون تلك الملاحظات مجموعة من الانتقادات، أو اقتراحات من أجل التطوير، أو ما أشبه. والمطلوب أن لا نتحسس من كل ذلك. فقد ورد عن الإمام الحسن بن علي أنه قال «هلك من ليس له حكيم يرشده».
إن علينا أن نعوّد آذاننا على فن الإصغاء دون تعليق، أو تبرير لأخطائنا. فإذا كانت الملاحظة، أو النقد من الصديق فإنه يريد لنا الخير والنجاح. أما إذا كانت من المنافس المشاكس فإنه يدلنا على مواقع الخلل والنقص في المشروع دون أن يشعر. إنه بحاجة إلى شكرنا الخاص بسبب ذلك.
لاشك أن الملاحظات تساهم بشكل فعال في عملية التطوير والإبداع للمشروع. ولو أنك بحثت عن أسباب التطوير لدى الشركات الكبرى لوجدت أن النقد الذاتي والملاحظات الصغيرة تحتل المرتبة الأولى.
في عام 1980م تلقت شركة «جونسون آند جونسون» التي كانت تعمل في مجال توريد الشاش المعقّم واللاصق الطبي، خطابا من أحد الأطباء، شكا فيه من حدوث التهاب في بشرة المرضى عند استخدام بعض أنواع اللاصق الطبي. فجاءه الرد من «كيلمر» مدير البحوث بالشركة سريعاً، وأرسل عبوة من بودرة «التلك» الإيطالي الملطفة، كي ترش على البشرة. وبعد ذلك أقنع الشركة بوضع علبة صغيرة من علبة «التلك» كجزء أساسي من العبوة. وفوجئت الشركة بأن الزبائن بدأوا يطلبون المزيد من «التلك» مباشرة. فاستجابت «جونسون آند جونسون» بصنع بودرة ملطف بشكل منفصل اسمه «بودرة أطفال وحمام جونسون» حتى أصبحت هذه البودرة من مستلزمات البيوت في كل العالم.
وكذلك في عام 1920م عندما صنع «إيرل ديكسون» أحد موظفي الشركة ضمّادة مجهزة للاستخدام، وهي مصنوعة من شريط جراحي به قطع صغيرة من الشاش وغطاء خاص يمنعها من الالتصاق بالبشرة، وقد صنعه أساساً لزوجته التي احترقت وجرحت يدها بسكين المطبخ. وعندما ذكر «ديكسون» اختراعه لمسئولي التسويق، قرروا أن يجربوا طرحه في الأسواق. وبعد بداية بطيئة، ترافقها عمليات تطوير وإصلاح، أصبحت هذه الضمادات أكبر فئة تحقق مبيعات في تاريخ الشركة.
وقد تأتي الملاحظات والانتقادات من أشخاص ننظر إليهم ببسطاء، ولكن عندما نوليهم اهتمامنا فإنهم أقدر على الإبداع حتى في ملاحظاتهم وأفكارهم، والتي قد يكون لها التأثير البالغ في التحول النوعي.
نشرت مجلة الإيكونوميست The Economist في أحد أعدادها مقالة تتحدث عن تجربة تؤكد الحاجة إلى التوقع واستباق الأحداث، كانت تلك التجربة تحمل عنوان: «النفايات داخلة، نفايات خارجة، التنبؤ الاقتصادي، دقة التنبؤات عند عمال النظافة» جاء فيها ما يلي: «في سنة 1984م أُرسل استبيان رأي إلى أربعة وزراء مالية سابقين، ورؤساء أربع شركات متعددة الجنسيات، وأربعة طلاب من جامعة أكسفورد، وأربعة عمال نظافة في لندن، وبعد عشر سنين قورنت نتائج تلك التنبؤات مع النتائج التي تحققت فعلاً. فتبين أن عمال النظافة البريطانيين تفوقوا على وزراء المالية السابقين، وعلى طلاب جامعة أكسفورد، لكنها كانت متعادلة مع التنبؤات التي قدمها رؤساء الشركات متعددة الجنسيات في عدد كبير من القضايا الاقتصادية الهامة»[1] .
«في عام 1990م لاحظ ليوناردو فيرناندو بوخالز الموظف في شركة جونسون في إسبانيا Johnson g Johnson بوظيفة مدير مبيعات، ازدياد عدد النسوة اللاتي يدخلنّ سوق العمل الإسبانية، وقال في نفسه : «عندما تعود هؤلاء النساء إلى بيوتهنّ آخر النهار ستشعرن بالتعب الشديد، ولن يتسنى لهنّ إعداد الطعام وطهيه، فتوقع انتهاء عهد الاستمتاع بقيلولة وسط النهار أو تناول العشاء في وقت متأخر من الليل، وانتهاء عهد الوجبات الإسبانية الدسمة، ورأى الحاجة المتزايدة لإيصال وجبات الطعام إلى المنازل، فأسس شركة تحمل اسم تيليبيتزا Telepizza، وأخذت هذه الشركة تنمو وتكبر حتى غدت بعد عشر سنين امبراطورية يترأسها هو وتمتلك نحواً من ألف مطعم، تبلغ قيمتها الإجمالية ملياري دولار»[2] .
أجرى نورمان ديكسون Normam Dixon، مؤلف كتاب «علم نفس الإخفاق العسكري» The psychogy of Military incompetence». دراسة حول أسباب إخفاق القيادات العسكرية عبر قرون من الزمان في مواجهة التغييرات السريعة ونتائجها الكبرى. فوجد أن «نمط السلوك السلطوي» هو القاسم المشترك بين جميع أصحاب القرار غير الأكفاء، يتميز هذا النمط من السلوك بمعاداة الفكر والمفكرين، إذ يعبر هذا النمط عن نزوع المرء إلى التصرف بالأسلوب المتعالي وكره شديد لكل معلومة تصل إليهم وتهدد كبرياءهم والانجذاب القسري للرتبة ورؤية الآخرين يذعنون لهم، كما يتميز هذا النمط بعدم الاستعداد لقبول الحلول الوسط وإعلاء لشأن القوة البهيمية وتغليبها على المهارات الإدراكية والنزعة للتصرف الطفولي، المتمثل بالتفجر غضباً وبشكل لا معقول مصحوباً بعدم الاهتمام بالصعوبات التي تفرضها قراراتهم على من حولهم».
ولكي نستفيد من ملاحظات الآخرين علينا أن نتبع التالي:
• أولاً: أن ننظر إلى الملاحظة كما هي من دون النظر إلى قائلها.
• ثانياً: أن لا نحقّر أية ملاحظة. فقد تكون حقيرة عندنا، لكنها عند صاحبها عظيمة. فأن تُفتح علبة الجبن من فوق المثلث، أو من قاعدة المثلث، فتلك مسألة هامة لدى المستهلك. وفي اللغة فإن غياب الفتحة أو الكسرة عن محلهما قد يؤدي في قراءة القرآن على الكفر دون أن نشعر.
• ثالثاً: أن ندوّن الملاحظات بشكل واضح، ونعقد جلسات خاصة لدراستها، أو الرد عليها.
• رابعاً: أن نقدم الشكر لمقدمي الملاحظات، ونشعره بأنه مشارك في عملية التطوير.
قد تكون الملاحظة صغيرة، أو عائمة، ولكنها حتماً قد تؤدي إلى عمل عظيم.
[1] مجلة الإيكونوميست تاريخ 3/6/1995م.
[2] السريع يلتهم البطيء، تأليف جيسون ولورنس هوتون، ص27، الطبعة الأولى 2001م، مكتبة العبيكان.
